الإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان

الإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان

المقدمة

الإيمان بالقضاء والقدر
الإيمان بالقضاء والقدر

الإيمان بالقضاء والقدر من أركان الإيمان ولا يتم إيمان المسلم حتى يعلم أن ما أصابه هو أمر حتمي سيصيبه سواء رضي أم لم يرضى وأن كل شيء بقضاء الله وقدره كما قال سبحانه ( إنا كل شيء خلقناه بقدر ) القمر/49 وأن يعلم أن الله تعالى قد اختار له الإختيار الصالح فقد أصبح كثيرٌ من المسلمين يشكون من مسألة الضيق، أو الاستياء والاعتراض على ما يصيبهم من مصائب على غير ما يُحبون، ولعل الدافع وراء تلك الشكوى هو الخوف من التقصير، والرغبة في إصلاح النفس والتحسن، فنسأل الله السداد وأن يصلح قلوبنا لتكون على ما يُحب ويرضى فقال تعالى:- ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾ [سورة الحديد الآية: 23].

القضاء والقدر والقلم والكتاب:

الإيمان بالقضاء والقدر
الإيمان بالقضاء والقدر

عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إنَّ أوَّلَ ما خلقَ اللَّهُ القَلمَ، فقالَ: اكتُب، فقالَ: ما أكتُبُ؟ قالَ: اكتُبِ القدَرَ ما كانَ وما هوَ كائنٌ إلى الأبدِ)؛ [صحيح الترمذي – 2155].

العلم بالقلم هو علم بالقدَر؛ لأننا حين نتيقن تمام اليقين بأن كل كائن هو من قضاء الله وقدره، فإن النفس تستسلم وتعرف قَدْرها، وأنه ليس باليد من حيلة ليبخع الإنسان نفسه على ما لا يملك تغييره، ولا يحق له الاعتراض عليه.

يقول الله تعالى: ﴿”مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ”﴾ [سورة الحديد الآية: 22، 23].

فنجد في الآية أعظم التوجيه في قول الله: ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾، فربُّنا الذي خلقنا – وهو أعلم بنا – يدلُّنا على أننا إذا علمنا أن كل المصيبات والإبتلاءات هي في كتاب مِن قَبل أن يبرأها الله عز وجل، فإن الأنفس تطمئنُّ إن شاء الله، فيذهب عنها الأسى على الفائت، أو الفرح بما أوتيت، وقد بيَّن الله تعالى لنا الفرح المذموم بقوله: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾. 

ونجد في الآيتين السابقتين لهاتين الآيتين إرشادًا آخر، يذهب الحزن على الدنيا والفائت منها إن شاء الله، ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾[سورة الحديد الآية: 20]، بل ﴿وسَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾[سورة الحديد الآية: 21]، فإن البذل في سبيل الله لن يغيِّر المقادير التي قدَّرها الله في الكتاب، فلا يخش المؤمنون الفقدَ، فيُقعدهم خوفهم عن البذل. 

﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [سورة الحديد الآية: 22]، وقد قيل: إن هذه الآية تتصل بما قبلُ، وهو أن الله سبحانه هوَّن عليهم ما يصيبهم في الجهاد من قتلٍ وجَرْح، وبيَّن أن ما يخلِّفهم عن الجهاد مِن المحافظة على الأموال وما يقع فيها من خسران، فكل شئ مكتوب مقدَّر لا مغير ولا مبدل له؛ وإنما على المرء الامتثال لأمر الله تعالى.

 

جزاء الرضا بالقضاء والقدر

الإيمان بالقضاء والقدر
الإيمان بالقضاء والقدر

إن عاش الإنسان الدنيا بما أمر الله وزَهِد فيها، فإن الله يَعِده بمغفرة ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ﴾ [سورة الحديد الآية: 21]، فليعمل لذلك العاملون وقال تعالى:-﴿”مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ”﴾ [سورة الشورى الآية: 20]،

فالآخرة هي مبتغَى وهدف الذي يطمح له المؤمنين، وهي الأَولى بالإعمار والحرص وعلام يحزن المؤمن في الدنيا؟ لا شئ فكلٌ إلي زوال ويبدل خير منه في الآخرة بإذن الله والآخرة دار خلود أم الدنيا دار فناء.

وقد قال الله في بعض عباده:﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾[سورة المائدة الآية: 119]، فنجد أن الرضا بالله عز وجل معينٌ على مصائب وابتلاءات الدهر، مسلٍّ للقلب حين ترهقه الخطوب، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوةٌ حسنة في كل سنَّته؛

حيث قال فيما روى عنه أنسُ بن مالك: “دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سيف القَيْنِ، وكان ظئرًا لإبراهيم عليه السلام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيمَ فقبَّله وشمَّه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيمُ يجودُ بنفسه، فجعلَتْ عينَا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه: وأنت يا رسول الله؟! فقال:(يا بن عوف، إنها رحمة)، ثم أتْبَعَها بأخرى، فقال الرسول(صلى الله عليه وسلم):(إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يَرضى ربُّنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزنون)”؛ [صحيح البخاري – 1303].

 وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(ما من مصيبة تصيب المسلمَ إلا كفَّر الله بها عنه، حتى الشوكة يشاكها)؛ [صحيح البخاري – 5640]. 

وعن أم سلمة(هند بنت أبي أمية) رضي الله عنها أن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) قال:(ما ابتلى الله عبدًا ببلاءٍ وهو على طريقة يكرهها، إلا جعل الله ذلك البلاء كفارةً وطهورًا، ما لم ينزل ما أصابه من البلاء بغير الله، أو يدعو غير الله في كشفه)؛ [(حديث حسن) – صحيح الترغيب – 3401].

فمع شدة المصيبة والحزن الشديد للقلب، كان رسول الله(صلى الله عليه وسلم) شديد الحرص على ألا يقول إلا ما يُرضي اللهَ رب العالَمين.

 وعند سماع المؤذن يقال: (رضيت بالله ربًّا) ففي ذلك إقرار بالرضا بالله عز وجل، فهل حقًّا رضِينا به ربًّا يفعل بنا ما يريد؟

ضرورة الإيمان بالقضاء والقدر

الإيمان بالقضاء والقدر
الإيمان بالقضاء والقدر

1- الإيمان بالقدَر ركن من أركان الإيمان:

عن عبدالله بن عمر رضي الله أنه قال: “حدَّثني أبي عمرُ بن الخطاب، قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجلٌ شديد بياض الثياب، شديد سواد الشَّعر، لا يُرى عليه أثرُ السفر، ولا يعرفه منا أحدٌ، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند رُكبتَيه إلى ركبتيه، ووضع كفَّيه على فخذيه،

وقال: يا محمد، أخبِرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا)، قال: صدَقتَ، قال: فعجِبنا له؛ يسأله ويُصدِّقه، قال: فأخبِرني عن الإيمان، قال:(أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره)، قال: صدَقت،

قال: فأخبِرني عن الإحسان، قال:(أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك)، قال: فأخبرني عن الساعة، قال:(ما المسؤول عنها بأعلمَ من السائل)، قال: فأخبِرني عن أَمارتها، قال:(أن تَلِدَ الأَمَةُ ربَّتَها، وأن ترى الحفاة العراة العالةَ رِعاءَ الشاءِ، يتطاولون في البنيان)، قال: ثم انطلق، فلبثت مليًّا، ثم قال لي:(يا عمر، أتدري مَن السائل؟)، قلتُ: الله ورسوله أعلم، قال:(فإنه جبريل، أتاكم يعلِّمكم دينَكم)”؛[صحيح مسلم – 8]

فالإيمان بالقدر خيرا كان أم شرا هو ركن أساسي من أركان الإيمان.

 2- فساده مُصيبة للإيمان والدين:

عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(لا يؤمن عبدٌ حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليُصيبه)؛[صحيح الترمذي – 2144]

فهنا نري أن الرسول صلي الله عليه وسلم قد ربط رباطا وثيقا بين الإيمان بالله والإيمان بالقضاء والقدر خيرا وشرا بدون الإعتراض على أحدهما. 

3- الكفر بالقضاء والقدر سبب لعدم قبول الله الأعمال الصالحة:

عن زيد بن ثابت قال: “سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(لو أن الله عذَّب أهل سماواته وأهل أرضه، لعذَّبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحِمهم لكانت رحمتُه خيرًا لهم من أعمالهم، ولو كان لك مثل أُحُد ذهبًا أو مثل جبل أُحُد ذهبًا تنفقه في سبيل الله، ما قبِله منك حتى تؤمن بالقدر كلِّه، فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأنك إن متَّ على غير هذا، دخلت النار)؛[سنن ابن ماجه – 74]

فقد ربط هنا بين قبول الله للأعمال الحسنة وجعله مرهونا بالرضاء بقضاؤه خيره وشره. 

4- اتباعا لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم:

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:”كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوَّذ من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء”؛ [صحيح البخاري – 6347]. واستعاذ صلى الله عليه وسلم أيضًا من “سوء القضاء”، وهو ما يسوء الإنسانَ ويحزنه من القضاء الذي قدر عليه، والموصوف بالسوء هو المقضيُّ به لا القضاء نفسه؛ (شرح الحديث من موسوعة الدرر السَّنِية.

 

صور الإيمان بالقضاء والقدر من حياة الأنبياء

الإيمان بالقضاء والقدر
الإيمان بالقضاء والقدر

وليس هناك أفضل من قصص الأنبياء والمرسلين لنأخذ منها الموعظة الحسنة والقدوة الصالحة:-

1- نوح ومفارقة ولده:

﴿”وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ”﴾ [سورة هود الآية: 45 – 47].

فهنا سأل سيدنا نوح عليه السلام ربَّه النجاةَ لولده، وكان قد سبق له من الله قوله عز وجل: ﴿”حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ”﴾ [سورة هود الآية: 40]،

فبيَّن له الله أن هذا الولد العاصي لقضاء الله وأوامره ليس من أهله، فهو عمل فاسد غير صالح، فكان حُكم الله أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، فما كان من فعل سيدنا نوح عليه السلام إلا أن آمَنَ وسلَّم بقضاء الله وحكمه. 

2- إبراهيم ومفارقة أبيه وقومه:

﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ﴾ [سورة الزخرف الآية: 26]، فبعدما كان حريصًا عليه وعلى استنقاذه من الهلاك، صارت مفارقة واستبراء لأجل الله عز وجل، ﴿”قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ [سورة الممتحنة الآية: 4].

والله هو خالق الرحم وقد شقَّ لها اسمًا من اسمه؛ فعن عبدالرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”(قال الله: أنا الرحمن، وهي الرحم، شققت لها اسمًا من اسمي، مَن وصَلها وصلتُه، ومَن قطعها بتته)”؛ [سنن أبي داود – 1694]، فربُّها وخالقها هو الأَولى بحقها، وما يجب لها من حكم بالوصل والقطيعة فيه وله؛ وعن عبدالله بن عباس وابن مسعود والبراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”(أوثق عرى الإيمان: الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحبُّ في الله، والبغض في الله عز وجل)”؛[صحيح الجامع – 2539 – (حديث صحيح)]. 

وبالرغم من قيمة صلة الرحم والتي كان متمسكا بها سيدنا إبراهيم إلا أن أمر الله فوق كل شئ، وذلك قضاؤه ﴿”وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا”﴾ [سورة الأحزاب الآية: 36].

3- إبراهيم وذبح ولده:

“﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ”﴾ [سورة الصافات الآية: 103 – 111].

فننظر هنا نجد أن البلاء في حالة من أعظم حالاته، حيث اجتمعت الابتلاءات معًا، فكان سيدنا إبراهيم صابرًا محتسبًا، راضيًا بقضاء الله وقدره فالولد وإن كان عصيًّا، فقد يكون البلاء أخفَّ، وقد يكون البلاء أخف أن يُذبح الولد بغير يدي أبيه، أو أن يجزع الولد من أمر الله فيعصي الله ويعصي أباه، ولكننا نجد أن اجتماع الابتلاءات في هذه المحنة في: (بذل الولد) (الصالح)، (وطواعية) (ومن كليهما)، (وعلى حب ورضا بقضاء الله) و(بيدي الأب)، فسلام على إبراهيم!

وكذلك ما تم ذكره عن النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وموقف موتِ ولده، فما كان إلا كما عرفناه صابرًا محتسبًا.

هكذا نأخذ من أنبياء الله القدوة الحسنة الصالحة في الرضا بقضاء الله وقدره، وأداء حقه على غير جزع وتأفف، بل قد علموا أنهم بشر قد خلقهم الله، فلم يَتجاوزوا قَدْرَهم بكونهم بشرًا تجب عليهم الطاعة والرضاء بقضاء الله، فسلَّموا أمرهم لله عز وجل، راضين بحكمه وقضائه.

 

خطوات للإعانة على الرضا بقضاء الله وقدره

الإيمان بالقضاء والقدر
الإيمان بالقضاء والقدر

1- التوبة والاستغفار

“﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ”﴾ [سورة هود الآية: 3]، ﴿”وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ”﴾ [سورة هود الآية: 52]

فإن طلب الاستغفار والتوبة من الله يزيل كل شئ سواه فإن الله غفور رحيم وأن تكون نية الندم على الفعل والرضا بقضاء الله وقدره مترسخة في القلب.

2- التضرع والرجوع إلى الله

“﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”﴾ [سورة الأنعام الآية: 42، 43]، فلنحذر ﴿”وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ”﴾ [سورة يوسف الآية: 110]

فإن الله يبتلي عباده لكي يدعوه ويتضرعوا إليه ويرجعهم إلى طريق الهداية وإن استكبار العبد عن دعوة ربه ونسيانه عبادة الله فهي من قسوة القلوب والعياذ بالله.

3- اعتزال الباطل وأهله

“﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا”﴾ [سورة الكهف الآية: 16]، ﴿”وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا * فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا”﴾ [سورة مريم الآية: 48، 49]

فعندما يعتزل العبد قول الباطل وأهله وأن يرضي بالقضاء والقدر وأن يحمد الله علي كل شئ لوجه الله عز وجل ليس رياء فإن الله يرضي عن العبد ويبدله خير مما ضاع منه.

4- الاحتساب والاسترجاع والدعاء

“﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ”﴾ [سورة البقرة الآية: 156، 157].

 فعن أم سلمة هند بنت أبي أمية رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(“ما مِن مسلم تصيبه مصيبةٌ فيقول ما أمره الله: إنَّا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها – إلا أخلف الله له خيرًا منها)،

قالت: فلما مات أبو سلمة، قلت: أيُّ المسلمين خير من أبي سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إني قلتُها، فأخلف الله لي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، قالت: أرسل إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطِبَ بن أبي بَلْتَعَةَ يخطبني له، فقلت: إن لي بنتًا وأنا غيور، فقال: أما ابنتها، فندعو الله أن يغنيها عنها، وأدعو الله أن يذهب بالغَيرة”)؛ [صحيح مسلم – 918]

فنرى من هذا الموقف أن الله إذا رأى من العبد طاعة ورضاء بقضاءه وصبر علي الابتلاء أبدل الله العبد خيرا مما ضاع منه وطيب نفسه وجبر خاطره. 

 وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(“إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمِدك واسترجَع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة وسمُّوه بيت الحمد”)؛ [صحيح الترمذي – 1021]

فنستخلص من هذا الحديث أنه كلما زاد الابتلاء وكان فيه العبد صابرا ويحمد الله كلما زادت المكافأة حتى تصل إلى بيت في الجنة ويا عظم الثواب.

5- ترك التمني والتحسر في القضاء بعدا عن عمل الشيطان

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(“المؤمن القويُّ خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرِص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تَعجِز، وإنْ أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قَدَرُ الله وما شاء فعل؛ فإن (لو) تفتح عمل الشيطان”)؛ [صحيح مسلم – 2664]

فإن القوة هنا تشمل البدن والإيمان فقوة الإيمان تجعل الشخص راضيا صابرا بقضاء الله وقدره محتسبا الأجر والثواب عند الله.

6- الأعمال الطيبات

عن أم سلمة هند بنت أبي أمية رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(“صنائع المعروف تقي مصارع السوء، والصدقة خفيًّا تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم زيادة في العمر، وكل معروف صدقةٌ، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة)؛ [(حديث صحيح) – صحيح الجامع – 3796] وهنا شرط من شروط التوبة وهو عمل الأعمال الصالحة بنية طلب المغفرة والتوبة إلى الله.

 ولا يتم إيمان المسلم حتى يعلم أن ما أصابه هو أمر حتمي سيصيبه سواء رضي أم لم يرضى وأن كل شيء بقضاء الله وقدره كما قال سبحانه ( إنا كل شيء خلقناه بقدر ) القمر/49 وأن يعلم أن الله تعالى قد اختار له الإختيار الصالح فقد أصبح كثيرٌ من المسلمين يشكون من مسألة الضيق، أو الاستياء والاعتراض على ما يصيبهم من مصائب على غير ما يُحبون، ولعل الدافع وراء تلك الشكوى هو الخوف من التقصير، والرغبة في إصلاح النفس والتحسن، فنسأل الله السداد وأن يصلح قلوبنا لتكون على ما يُحب ويرضى فقال تعالى:- ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾ [سورة الحديد الآية: 23].

نقترح عليك أن تقرأ

  1. كيف أؤمن بالقضاء والقدر
  2. الإيمان بالقضاء والقدر أسلوب حياة
  3. صفات القائد في الإسلام
  4. صحابة رسول الله(ص) رضوان الله عليهم
  5. صلاة الفجر وعظمة فضلها
  6. الخشوع في الصلاة 2022

شاهد أيضاً

تساقط الشعر

6 خرافات تساقط الشعر على نمط الذكور يجب أن تتوقف عن تصديقها 2023

6 خرافات تساقط الشعر على نمط الذكور يجب أن تتوقف عن تصديقها تساقط الشعر عند …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *